لقد سمع معظمنا عن الفنان بيكاسو وعن لوحاته المميزة الفريدة والممزوجة بألوان غريبة. وكان من الممكن لبيكاسو أن يرسم لوحات واقعية جداً، ولكنه اختار عدم القيام بذلك. فقد أراد أن تكون لوحاته معبرة ويوجد بها نوع من متعة التلوين بشكل حر دون الاكتراث إذا ما كانت لوحاته صحيحة أم لا. هناك اقتباس جميل لبيكاسو: ” أن كل طفل يُعد فنان ولكن المشكلة هي كيف يمكن أن يستمر بكونه فنان بعد أن يكبر؟” وقد لخّص بيكاسو المشكلة حقاً.
وفي مدونة، قرأت هذه الجملة مؤخراً: “إن المستقبل المهني دائما يعتمد على الأدوار التي تعتمد على المهارات مثل فن التواصل، والذكاء الاجتماعي، والإبداع، والمهارات التي يصعب قياس حجمها أو تكرارها.” إن مثل هذه المهارات لها تأثير كبير على الأطفال وعلينا أيضاً! وهذا يعني أن الأطفال بحاجة إلى الإبداع لكي يصبحوا ناجحين ومنتجين في حياتهم المهنية في المستقبل.
يُريد معظم الآباء أن يكون أبنائهم أكثر نجاحاً من الناحية الفكرية والاجتماعية والعاطفية والبدنية وكذلك الإبداعية. لذلك، عزيزي القارئ عليك معرفة أن تلك المهارات مهمة جداً لحياة طفلك. لذا عليك أن تدع طفلك يُعبر عن نفسه وأن يُخرج طاقاته الإبداعية بالطريقة التي يُريدها. حيث أنّ السماح لطفلك بالتعبير عن ما بداخله يُعد المفتاح الأساسي لتنمية قدراته ولكونه أكثر نجاحاً وذكاءً في المستقبل.
لذلك من المهم جداً للآباء أن يتعرفوا على إبداع طفلهم الصغير. وعليك عزيزي القارئ أن تسأل نفسك؛ هل أنا أعزز من قدرات طفلي الإبداعية أم أقوم بإعاقتها؟ حيث أن هناك كثير من الآباء يقومون بقمع وتقييد إبداع طفلهم دون أن يشعروا بذلك.
وفي هذا الصدد، نود عزيزي القارئ تعريفك على أهم 5 أساليب تُعيق إبداع طفلك، وكيف لك أن تتجنبها؟
أولاً: أن لا تسمح لطفلك أن يُحدث فوضى في المكان
عادة ما يحتاج الطفل أن يكون قادراً على إحداث فوضى دون أن يكون هناك قيود عليه. حيث أن أهم جزء بالنسبة للطفل هو أن يرى كيف يتم تركيب وتشكيل الأشياء معاً. ويحتاج كذلك أن يكون قادراً على القص واللصق ووضع الأشياء معاً. واحدة من أفضل الاقتراحات التي يمكننا تقديمها لك هي جلب صندوق أو دلو ووضع فيه الكثير من القطع المفككة غير المترابطة مع بعضها مثل؛ علبة صمغ، قصاصات ورقية، أفواه زجاجات فارغة، مسواك، وأسلاك متنوعة، وغيرها من الأشياء الموجودة في المنزل. إن مثل هذه الأشياء تجعل الطفل محباً للاستكشاف واستعمال تلك الأشياء بشكل إبداعي.
ثانياً: أن تُقيد من نشاط طفلك كثيراً
يميل معظم الآباء عادةً إلى جَدولة أوقات فراغ أطفالهم، مثل تسجليهم في نوادي الرقص، السباحة، أو كرة القدم وغيرها من الأنشطة المختلفة. لا أنكر أن مثل هذه الأنشطة مفيدة لهم. ولكن عليك أن تتذكر بأنه يجب أن تترك وقتاً لطفلك لكي يلعب ألعاباً حقيقية، وبالشكل الذي يرغبه. فمن خلال اللعب الفعلي يجعل الطفل قادراً على التخيل وإخراج ما بداخله من طاقات إبداعية وتعلم كيفية ربط الاشياء مع بعضها البعض.
ثالثاً: أن تُشجع طفلك في قضاء معظم وقته على الشاشات الإلكترونية
يجب على الآباء أن يُقللوا من تعلق أطفالهم بالإلكترونيات، وباتت الحاجة لذلك ماسة خاصة في هذا العصر. إن الأطفال بحاجة إلى الخروج واكتشاف العالم الخارجي من حولهم، وكذلك بحاجة إلى اللعب بالطين وأن تُصبح ثيابهم مُتسخة ولتسلق الأشجار واللعب بالماء وجمع أوراق الأشجار واللعب بالأحجار والرمال. حيث إنّ اكتشاف العالم الخارجي يجعل جسم وعقل الإنسان يصنع العجائب، وكذلك يربطنا بالعالم الذي نعيش فيه.
رابعاً: أن تمنح طفلك خيارات محدودة
عليك أن تمنح طفلك أكثر من خيار في كل الأوقات. مثلاً، أعطِ لطفلك خيارين أو ثلاثة عند إرتداء الملابس أو تناول الوجبة وما إلى غير ذلك. حيث أن هذه الطريقة تدع الأفكار تتدفق إلى عقل طفلك، وتجعله يُنجز المهمة على أكمل وجه كماتجعله يخوض تجربة جديدة لم يتعرض لها مُسبقاً. وهذا سيُضاف إلى سجل تجاربه الصغيرة ويقوده نحو الاستنتاج البنّاء.
خامساً: أنك تقوم بالتعديل على ما أبدعه طفلك
نود التنويه إلى أمر هام، وهو عليك أن تتذكر أن الورود لا تكون دائماً حمراء اللون، والسماء ليست دائماً زرقاء وكذلك العشب لا يكون دائما ً أخضر اللون. لذلك عليك أن تدع طفلك يحصل على متعة التلوين الحقيقة، حتى لو لم يكن هناك تناسق في الألوان. فمن الأشياء الأكثر أهمية للتنمية من قدرات طفلك هي أن تسمح له بأن يلون الرسومات بطريقته الخاصة وليس بالطريقة المعتادة والمعروفة لدينا. فكل من أبهروا العالم وأفادوا البشرية جاؤوا بأفكار جديدة لم تُلاقي قبولاً في بادئ الأمر. لذلك، أطلق العنان لطفلك ودعه يُبدع وأنت نفسك تتفاجئ من أفكاره وأسئلته.
نتمنى عزيزي القارئ أن تستفيد من المقال، وأن تبتعد عن الأساليب المذكورة سابقاً، وتُجرب بنفسك نتيجة ابتعادك عنها وكيف سيكون عظيم الأثر لها على طفلك.
ودمتم بعافية…